حجية الحکم الجنائي الصادر بالبراءة أمام سلطات التأديب

نوع المستند : أبحاث أصلية

المؤلفون

1 باحث ماجستير کلية الحقوق جامعة المنيا

2 أستاذ بقسم القانون العام بکلية الحقوق – جامعة بنى سويف

المستخلص

المقـــــدمة
 الدولة باعتبارها شخصا معنويا عاما لا يمکن أن تؤدي رسالتها إلا عن طريق شخص طبيعي هو الموظف العام فهو يدها المنفذه ورأسها المفکر وعقلها المُدبر، فالموظف هو العصب النابض في الجهاز الحکومي، وبهذه المثابة تتعدد روابطه والتزاماته وفقا لتعدد الهيئات والمؤسسات التي يتعامل معها ويکون لکل من هذه الروابط النظام القانوني الذي يحکمها، فعلي سبيل المثال رابطة العمل بالحکومة يحکمها قانون الخدمة المدنية ، ورابطة العمل بالقطاع العام ، تخضع لقانون قطاع الأعمال العام، ورابطة الانتماء لمهنة أو نقابة يحکمها قانون النقابة وآداب المهنة.
ولما کان ما يقع من الموظف فعلا إجراميا تقوم به مسئوليته الجنائية وفي نفس الوقت مسئوليته التأديبية ، کما قد تثار مسئوليته المهنية إذا کان عضواً بإحدى النقابات المهنية وکان خطأه مرتبطا بالوظيفة أو المهنة التي يشغلها(1) ، وإلي جانب هذه المسئوليات تقوم المسئولية المدنية إذا کان هناک خطأ وضرر وعلاقة سببية تربط بينهما، ومهما تعددت هذه المسئوليات الناشئة عن ذلک الفعل إلا أنه من غير المقبول السماح للأحکام الصادرة بتحديد آثار کل مسئولية من المسئوليات بالتعارض أو التناقض وهو ما يطلق عليه حجية الأمر المقضي والتي تعني أن الحکم القضائي حجة بين الخصوم فيما فصل فيه من حقوق فلا يجوز لأحد الخصوم أن يعود إلي المنازعة فيما قضي به عن طريق رفع دعوى جديدة، ويرجع ذلک إلي أن احترام قوة الشئ المقضي مبدأ أساسي وأصل من الأصول القانونية واجبة الاحترام تمليه الطمأنينة العامة وتقضي به ضرورة استقرار الأوضاع استقرارا ثابتا(2).
وقد تناول کل من المشرع الفرنسي ونظيره المصري حجية الأمر المقضي فقضت المادة 1351 من القانون المدني الفرنسي بأنه "لا محل لحجية الأمر المقضي إلا بالنسبة إلي موضوع الحکم ويجب أن يکون الشخص المطلوب واحدا وأن يکون الطلب مستندا إلي السبب نفسه وقائما بين الخصوم أنفسهم ومقاما منهم أو عليهم بالصفة نفسها"، کما قررتا الحجية کل من المادتين 6، 368 من قانون الإجراءات الجنائية، أما المادة 368 فنصت علي أن "کل شخص برئ علي نحو قانوني لا يجوز القبض عليه أو اتهامه من أجل نفس الوقائع ولو نسب إليه وصف مختلف، أما عن الوضع في التشريع المصري فنصت المادة 101 من قانون الإثبات علي أن "الأحکام التي حازت قوة الأمر المقضي تکون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجة ولکن لا تکون لتلک الأحکام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسببا وتقضي المحکمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها".
وإذا کانت حجية الأحکام الجنائية أمام القضاء المدني أمرا بات مستقرا تشريعا وفقها وقضاء فلا يجوز للقاضي إعادة مناقشة الوقائع التي سبق للحکم الجنائي مناقشتها ويعود ذلک لخطورة الأحکام الجنائية لتعلقها بأرواح الناس وحرياتهم وما تتطلبه بالتالي من ثقة مطلقة، إلا أن الأمر لم يسر علي الوتيرة عينها في مواجهة سلطات التأديب بالرغم من أنه أصبح من المسلم به استقلالية النظام التأديبي عن النظام الجنائي، وإنشاء المحاکم التأديبية کما أن القانون الجنائي قد أفرد أحکاما لحماية الوظيفة العامة.
وإذا کان الأصل العام هو استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية إلا أن هذا الاستقلال لا يمنع من الارتباط بينهما، وتأسيسا علي ذلک فإنه قد يحاکم الموظف، في ذات الوقت، أمام المحاکم الجنائية والمحاکم التأديبية حال ارتکابه فعل يکون جريمة جنائية وجريمة تأديبية في الوقت عينه مثل سرقة الأموال العامة أو الاعتداء علي رؤسائه.
ومن نتائج استقلال الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية أنه لا تسري قاعدة الجنائي يوقف المدني في النظام التأديبي، إذ أنه لا إلزام علي جهة الإدارة أن توقف الإجراءات التأديبية قبل الموظف انتظارا لنتيجة الفصل في المحاکم الجنائية فلها أن تقدر بحسب الظروف والملابسات ما إذا کان من الملائم أن تنتظر نتيجة الفصل في المحاکمة الجنائية أو أن الأمر يتطلب تدخلا سريعا دون ترقب نتيجة المحاکمة.
ولما کانت القاعدة العامة هي لا حجية للحکم الجنائي أمام القضاء التأديبي، إلا أنه استثناء من هذا الأصل العام فإنه إذا کان الفعل المنسوب صدوره للموظف أو العامل يشکل جريمة جنائية وأخرى تأديبية وصدر حکم جنائي بات في هذا الخصوص قبل صدور حکم تأديبي بات، فإن الحکم الجنائي يحوز حجية الأمر المقضي أمام القضاء التأديبي، إذ يمتنع علي السلطات التأديبية إعادة بحث ما فصل فيه الحکم الجنائي وضرورة الاعتداد بما قرره والالتزام به وإلا کان في غير ذلک مساس بالحجية.



(1) النظام التأديبي ليس مقصورا علي موظفي الدولة أو أعضاء الهيئات العامة فحسب، بل يمتد إلي أعوان تلک الهيئات، وأعضاء النقابات المهنية المختلفة، بل إلي بعض عمال الهيئات الخاصة التي تشرف عليها الدولة وغلي أشخاص غير موظفين کطلبة المدارس والجامعات (د/ عادل يونس، الدعوى التأديبية وصلتها بالدعوى الجنائية، دراسة تحليلية مقارنة لطبيعة النظام التأديبي وعلاقته بالنظام الجنائي، مجلة إدارة قضايا الحکومة، السنة الأولي، العدد الأول، 1965، ص 6).


(2) د/ محمود نجيب حسني، قوة الحکم الجنائي في إنهاء الدعوى الجنائية، دار النهضة العربية، 1977، ص 24.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية