الرقابة القضائية على قرارات الفسخ بمعرفة الإدارة (بحث مقدم لاستکمال إجراءات الحصول على درجة الماجستير)

نوع المستند : أبحاث أصلية

المؤلفون

1 باحثة ماجستير بکلية الحقوق جامعة المنيا

2 أستاذ القانون العام کلية الحقوق – جامعة بنى سويف

المستخلص

مقدمة
حث الله – عزَّ وجل – على تعمير الأرض والسعي في سبيل الله وطلب الرزق فقال  في کتابه العزيز: "هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَکُمْ فِيهَا" (هود: 61)، والدولة باعتبارها قيّمةً على تحقيق مصالح الأفراد وتوفير حاجاتهم إما أن تمارس أعمالاً مادية؛ لا تقصد من ورائها إحداث أية آثار قانونية، وإما أن تمارس أعمالاً أخرى قانونية؛ تهدف من ورائها إلى إحداث آثار قانونية، وهذه الأعمال القانونية إما ان تکون صادرة عن إرادة منفردة لجهة الإدارة وتسمى (القرارات الإدارية)، وإما أن تکون صادرة عن تلاقي إرادتين وتسمى حينئذ (العقود الإدارية)؛ وتلجأ الإدارة إلى أسلوب العقد الإداري – بوصفها سلطة عامة –، وذلک لتنفيذ الخطة العامة للدولة، وسد حاجات الأفراد وتوفير الخدمات العامة لهم.
ومن بين هذه العقود عقد الأشغال العامة والذي يعد له أهمية خاصة من بين العقود الإدارية الأخرى، حيث إنه يعد سبباً من أسباب إعمار الأرض، إما بإنشاء مشروعات عقارية، وإما بإدخال التحسينات على تلک المشروعات، مما يضفي على الدولة مظهر المدنية، ويجعلها تلحق برکاب الدول المتحضرة.
هذا ولم يذکر المشرع تعريفاً لعقد الأشغال العامة وإنما عرفه الفقه والقضاء: من ذلک؛ تعريف الدکتور سليمان الطماوي بأنه: "عبارة عن اتفاق بين الإدارة وأحد الأفراد أو الشرکات بقصد القيام ببناء أو ترميم أو صيانة عقارات لحساب شخص معنوي عام وبقصد تحقيق منفعة عامة في نظير المقابل المتفق عليه ووفقًا للشروط الواردة بالعقد" ([1]).
وعرفته محکمة القضاء الإداري بقولها: "أن عقد الأشغال العامة هو عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون العام وفرد أو شرکة بمقتضاه يتعهد المقاول بالقيام بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة في عقار لحساب هذا الشخص المعنوي العام تحقيقاً لمصلحة عامة مقابل ثمن يحدد في العقد" ([2]).
والعقد بصفة عامة يرتب مسئوليات متقابلة على کل من الطرفين، ويقصد بالمسئولية العقدية: هي الجزاء المترتب على عدم تنفيذ المدين المتعاقد لبنود العقد، أو بمعنى آخر: هي الإخلال بتنفيذ المتعاقد لالتزاماته عيناً طبقاً لصريح نصوص العقد، وما يتفق وموجبات حسن النية في التنفيذ ([3]).
وأخص بالذکر مسئوليات المتعاقد في مواجهة الإدارة السابقة للتعاقد – منها – واللاحقة له، ويلتزم المتعاقد عند تقديم العرض بالآتي:
1-  تقديم العطاء في الميعاد المحدد في کراسة الشروط.
2-  حظر التقدم بأکثر من عطاء.
3-  أداء مبلغ التأمين المؤقت.
4-  حظر تعديل العطاء.
5-  التزام مقدم العطاء بالبقاء على إيجابه مدة سريان العطاءات.
6-  أداء مبلغ التأمين النهائي.
کما يلتزم أثناء تنفيذ العقد بعدة التزامات أخرى أيضاً أذکرها تعداداً کالآتي:
1-  التزام المتعاقد مع الإدارة بتنفيذ التزاماته شخصيا ً، وعلى مسئوليته الخاصة.
2-  أن ينفذ التزاماته وفقاً للشروط المحددة في عقده وما يصاحبه من وثائق لا سيما دفاتر الشروط.
3-  أن ينفذ التزاماته بطريقة سليمة وبعناية، مع التزامه بمبدأ حسن النية في التنفيذ.
4-  ألا يمتنع عن الوفاء بالتزاماته بحجة تقصير الإدارة، مادام هذا الوفاء ممکناً.
5-  التزامه الجاد باحترام مدة التنفيذ المقررة في العقد.
6-   التزامه بضمان السير المنتظم والمستمر للمرفق العام.
7-  يجب على المتعاقد مع الجهة الإدارية تجنب موجبات فسخ العقد.
8-  الالتزام باتخاذ کل ما يکفل منع الإصابات، أو حدوث الوفاة للعمال، أو أي شخص آخر أو الإضرار بممتلکات الدولة، أو الأفراد وتعتبر مسئوليته في هذه الحالات مباشرة دون تدخل للجهة الإدارية.
ويترتب على مخالفة المتعاقد لهذه الالتزامات السابقة توقيع جزاءات عليه تختلف من حيث طبيعتها ومداها طبقاً لطبيعة المخالفة، وتمثل فکرة المرفق العام بمعناه الواسع أساساً لسلطة الإدارة في توقيع جزاءات على المتعاقد معها استناداً إلى إرادتها الفردية، لا لکون هذه الجزاءات منصوص عليها في العقد وکراسة الشروط أو النصوص القانونية المنظمة لعقد الأشغال العامة([4]).
وهذه الجزاءات منها ما لا يحول دون استمرار تنفيذ العقد ولا يؤدي إلى إنهائه، وهي إما؛ جزاءات مالية: کغرامات التأخير، والتعويضات، والغرامات التهديدية، ومصادرة التأمين، وإما جزاءات ضغط وإکراه: لحمل المتعاقد على التنفيذ، والمتمثلة في جزاء سحب العمل من المقاول ووضع المقاولة تحت الإدارة المباشرة.
ومن هذه الجزاءات أيضاً ما يؤدي إلى نقض العقد وإنهاءه، وهو الفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة بقرار مسبب صادر من جهة الإدارة حالة وقوع خطأ جسيم من المتعاقد مع الإدارة، والذي يمکن تعريفه بأنه: "إنهاء للعقد الإداري بقرار مسبب صادر عن الإرادة المنفردة للإدارة ومن سلطة مختصة بسبب الإخلال الجسيم من جانب المتعاقد بالأسس التي يقوم عليها العقد"، والذي لا يمکن توقيعه إلا بشروط هي:
1-  الخطأ الجسيم من جانب المتعاقد.
2-  الإعذار.
3-  عدم لجوء الإدارة للطريق القضائي.
4-  تسبيب قرار الفسخ في حالات الفسخ الجوازية.
ويترتب على فسخ الإدارة لعقد الأشغال العامة عدة آثار کالآتي:
1-  انتهاء العقد وانفصام الرابطة العقدية بين طرفيه بالنسبة للعقد کله.
2-  يجب على المقاول أن يخلي أماکن العمل في المواعيد التي تحددها له الإدارة وإلا تحققت مسئوليته.
3-  تسوية مصير الأدوات والمواد الخاصة بالمقاول.
4-  حق الإدارة في حجز مبلغ التأمين وغرامات التأخير والتعويضات.
5-  شطب المتعاقد من سجل المتعاقدين في حالات الفسخ الوجوبية (کعقوبة تبعية).
6-  يراقب قاضي العقد سلامة قرارات الفسخ وصحة الأساس الذي بنيت عليه.
ونظراً للآثار الخطيرة المترتبة على قرار الفسخ الجزائي؛ تعتبر الرقابة القضائية من الضمانات الهامة المقررة للأفراد ضد تعسف الإدارة عند فسخ العقد بإرادتها المنفردة، وذلک لأن القضاء يعتبر طرفاً محايداً لا يتأثر بالاعتبارات السياسية أو الشخصية، مما يجعلها تصدر أحکامها موازنةً بين مصالح الأفراد من ناحية، ومصلحة الإدارة من ناحية أخرى، وذلک في إطار الشرعية القانونية ([5]).
ويختص القضاء الإداري بالمنازعات الخاصة بالعقود الإدارية ومنها عقد الأشغال العامة حيث تنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 على أن: "تختص محاکم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: ......حادي عشر: المنازعات الخاصة بعقود الالتزام، أو الأشغال العامة، أو التوريد، أو بأي عقد إداري آخر"، وقد جاء نص المادة السابقة مطلقاً وعلى ذلک فإن اختصاص محکمة القضاء الإداري بمنازعات العقود الإدارية هو اختصاص شامل ولها ولاية کاملة لا تقتصر – فحسب – على الإلغاء ([6]).
ويراد بقضاء الإلغاء: هو ما يکون موضوعه إلغاء قرار إداري ووسيلته عدم مشروعية القرار المطعون فيه، ويراد بالقضاء الکامل: هو ما يکون موضوعه الحصول على حق سواء بإلغاء عقد أو الحصول على تعويض([7])، ويقف دور القاضي الإداري عند حد الحکم بالتعويض للمتعاقد المضرور دون المساس بقرار الفسخ غير المشروع، وسوف أتناول مدى إمکانية مطالبة المتعاقد بإلغاء القرار غير المشروع، وإذا افترضنا استجابة القاضي لطلب الإلغاء فما هي الآثار التي من الممکن أن تترتب عليه؟
 



([1]) د. سليمان محمد الطماوي: الأسس العامة للعقود الإدارية (دراسة مقارنة)، الطبعة الأولي، دار الفکر العربي، 1957، ص79.


([2]) المستشار. سمير صادق: العقد الإداري في مبادئ الإدارية العليا، الهيئة المصرية العامة للکتاب، 1991، ص69. حکم محکمة القضاء الإداري في القضية رقم 284 لسنة 8 جلسة 23/12/1956.


([3]) د. أحمد سعد: الوجيز في مصادر الالتزام، 1998/ 1999، الطبعة الثانية، ص 208.                    


([4]) د. هارون عبد العزيز الجمل: الجزاءات في عقود الاشغال العامة، مکتبة سعيد رأفت، الطبعة الأولى، 1979، ص 88.


([5]) د. سعد محمد علي المري: نظرية الجزاءات في عقد الأشغال العامة (دراسة مقارنة)، رسالة دکتوراة، جامعة الزقازيق، 2010، ص 380.


([6]) د. عبد المنعم عبد الحميد إبراهيم شرف: العقود الإدارية، الطبعة الأولى، 2001/ 2002، ص 300 وما بعدها.


([7]) المستشار. د. عبد الفتاح أبو الليل: قضاء المشروعية (دراسة مقارنة)، دار النهضة العربية، 1998، ص 61.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية