ترسيـــم الحــــدود البحــــريه بين الدول وما يثيره من مشکـــــلات

نوع المستند : أبحاث أصلية

المؤلفون

1 باحث بکلية الحقوق - جامعة المنيا

2 أستاذ القانون الدولى وعميد کلية الحقوق - جامعة المنيا

المستخلص

ترتبط عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول الساحلية وخصوصًا ذوات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة بموضوع الحدود الخارجية لمختلف المناطق البحرية، حيث تتداخل مطالب دولتين أو أکثر من الدول المتقابلة أو التي تتلاصق مناطقها البحرية ، وقد تبين من إحدى الدراسات أنه ربما کان هناک أکثر من (300) قضية تتعلق بتحديد المناطق البحرية ، منها (156) قضية بين دول سواحلها متقابلة و (144) قضية بين دول سواحلها متلاصقة.
وإذا کانت الحدود البرية لا تثير العديد من المشاکل ؛ لأنها - غالبًا - ما تفصل بين الدول وبعضها بمعالم واضحة ، فإن الحدود البحرية عکس ذلک ؛ لکونها لا تقتصر على الدولتين اللتين يفصلهما حد بحري ، بل يمتد ذلک إلى باقي دول العالم ؛ لذلک تعد عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول من أهم موضوعات القانون الدولي والتي تسببت في أکثر النزاعات التي عرضت على القضاء الدولي ، حيث لعب هذا الأخير دورًا مهمًا في تسوية العديد من النزاعات التي تنشأ بين الدول بسبب ترسيم الحدود البحرية ، وذلک بالفصل فى هذه النزاعات لصالح الطرف الذي  يقدم الأدلة القانونية الحاسمة أو القاطعة... ويتضمن قانون البحار تقسيم البحار إلى مناطق بحرية، ويحدد هذا القانون حقوق وواجبات الدول ، وکذلک السفن التي تحمل علمها في تلک المناطق وکانت الدول قبل سنة 1945م تطالب ببحار إقليمية ضيقة تستطيع ممارسة سيادتها الکاملة عليها، سواء على قاع البحر وما تحت القاع وعلى عمود المياه والفضاء الجوى الذي يعلوها، ويتبقى بعد ذلک المحيطات وأعالي البحار، حيث يحمى مبدأ حرية البحار حقوق الاستخدام والاستغلال لجميع الدول.
ولکن سرعان ما تغير هذا الوضع بدرجة کبيرة نتيجة تقدم التکنولوچيا التى أوجدت وسائل جديدة لاستغلال موارد المحيطات المتاحة والتي تحقق عوائد مالية مجزية.
وقد بدأت الادعاءات الوطنية للمطالبة بالحقوق السيادية لاکتشاف واستغلال موارد ما يسمى بالجرف القاري ، والذي سنتحدث عنه لاحقًا تزامنًا مع إعلان الرئيس الأمريکي «ترومان» الصادر فى 28 سبتمبر سنة 1945م والذي أعلن لأول مرة النظام القانوني للجرف القاري ، حيث نص الإعلان على أنه : " فى الحالات التى يکون فيها الجرف القاري بعيدًا عن شواطئ الولايات المتحدة الأمريکية ويمتد إلى شواطئ دولة أخرى ، فإن الحدود يجب أن تتحدد بين الولايات المتحدة الأمريکية والدول المعنية بما يتفق مع مبادئ العدالة ".
وعقب صدور إعلان ترومان ، تبعته ادعاءات مماثلة من جانب آخر من الدول . وقد طورت اتفاقية جنيف الصادرة سنة 1958م الخاصة بالجرف القاري هذا المبدأ ، حيث أشارت المادة السادسة إلى أن حدود الجرف القاري بين الدول المتقابلة أو المتجاورة سوف تتحدد بالاتفاق فيما بينهما ، وفى حالة عدم وجود اتفاق أو لم يکن هناک خط حدود مبررًا بظروف خاصة ، فإن خط الحدود هو خط الوسط أو خط البعد المتساوي.
بينما حضرت اثنتا عشرة  دولة مؤتمر عصبة الأمم لتقنين قواعد القانون الدولي ، فإن الدول التى أسهمت فى مؤتمر الأمم المتحدة الأول لقانون البحار سنة 1958م حوالي 86 دولة, أما الدول التى أسهمت فى المؤتمر الثالث لقانون البحار سنة 1973م، زاد عددها إلى 150 دولة، ويرجع ذلک إلى وجود عدد کبير من الدول المستقلة فى الوقت الحاضر، فضلاً عن الأهمية المتزايدة لموارد البحار، بصفة خاصة البترول والغاز الطبيعي والزيت وحاجة الدول لحماية المصايد الشاطئية من أجل استخدام واستنفاع شعوبها.
وقد تبنت دول محدودة القانون الذي أقره المؤتمر الأول لقانون البحار، وإن کانت بعض نصوص هذا الاتفاق تشير إلى احتمالات تطوره فى المستقبل .
وقد ظل تحديد الحدود البحرية محکومًا بالمادة السادسة من اتفاقية جنيف الصادرة سنة 1958م حتى انعقد المؤتمر الثالث لقانون البحار، وبدأ الاهتمام بکيفية تحديد أو ترسيم الحدود البحرية من الدول المتقابلة أو المتجاورة والأسس التى يقوم عليها هذا التحديد ، وعقد المؤتمر دورات تمت فيها مفاوضات طويلة تربو عن ثماني سنوات ، أعطت الدول وقتًا ثمينًا للتحقق من أن هذه الوثيقة تعبر عن رغباتهم قبل أن تفتتح للتوقيع والتصديق.
وقد تمکنت اللجنة القائمة على إعداد مشاريع لأربع اتفاقيات رفعتها إلى الجمعية العامة 1956م , وقد دعت الجمعية العامة فى قرارها المرقم 1105 (11) فى 21 فبراير 1957م إلى عقد مؤتمر دبلوماسي عام 1958م تولد عنه تبنّى أربع اتفاقيات وهي : ـ
ـ الأولى : اتفاقية البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة .
ـ والثانية: اتفاقية البحر العالي .
ـ والثالثة: اتفاقية الصيد وحماية الموارد الحية فى البحر العالي .
ـ والرابعة: اتفاقية الجرف القارى.
 
 
 
 
 
وقد حاولت الدول فى مؤتمر جنيف للبحار لعام 1958م. وضع حد لنزاعات الحدود البحرية والادعاءات السيادية المتزاحمة على المناطق البحرية التى تخضع لسيادة الدول کالبحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة والجرف القارى وطبيعة الحقوق التى تمارسها الدولة , وبالأخص العمل على کيفية تحديد المناطق البحرية وتسوية النزاعات المتعلقة بتحديدها فى حالة الدول المتجاورة أو المتقابلة .
إلا أن إخفاق هذه الاتفاقيات فى تنظيم المسائل المتعلقة بالقانون الدولي للبحار وتسوية النزاعات المتعلقة بالحدود البحرية - دفع الدول إلى الاستمرار فى البحث عن قواعد تعالج مسألة ترسيم الحدود البحرية بين الدول , بشکل يضمن لکل دولة ساحلية حقها فى التمتع بإقليم بحري, و وضع قواعد تحسم نزاعات الحدود البحرية بطريقة سلمية تطبيقًا لمبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية وحظر استعمال القوة .
وفى سنة 1982م تبنت الأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فى إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار, والتي دخلت حيز النفاذ سنة 1994م , حيث تولت الاتفاقية تحديد المناطق البحرية التى تمارس عليها سيادة مقيدة (بحر إقليمي) والمناطق التى تمارس عليها حقوق سيادية (المنطقة المتاخمة ، المنطقة الاقتصادية الخالصة ، الجرف القارى) .
وقد تناول الفرع الأول من الجزء الخامس عشر فى الاتفاقية عام 1982م لقانون البحار مسألة تسوية منازعات الحدود البحرية بين الدول من خلال منح الحرية للدول الأطراف فى اللجوء إلى الوسيلة السلمية التى يتم الاتفاق فيما بينها على اختيارها.
ونجد فى الفرع الثاني من الجزء الخامس عشر أنه جاء تحت عنوان "الإجراءات الإلزامية التى تؤدى إلى قرارات ملزمة" والتي نصت مادته (286) على أنه : "فى حالة عدم تسوية النزاع فى إطار الفرع الأول ، يحال النزاع بناء على طلب أي طرف إلى المحکمة ذات الاختصاص بموجب هذا الفرع ، والتي حددتها المادة (287) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بالمحکمة الدولية لقانون البحار المنشأة وفقًا للمرفق السادس أو محکمة العدل الدولية أو محکمة التحکيم مشکلة وفقًا للمرفق السابع" ، حيث تعد هذه الجهات القضائية هي المختصة لتسوية نزاعات الحدود البحرية ما لم يتفق أطراف النزاع على إخضاع النزاع إلى إجراء التوفيق المنصوص عليه فى الفرع الثاني من المرفق الخامس.
 
 
وقد حاولت البلدان الصناعية أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار وضع نظام قانوني دولي يمکنها من استکشاف واستغلال المنطقة الدولية لصالحها ، ولکن الدول النامية منعتها من تحقيق مآربها ، وعملت على وضع نظام قانوني ينظم عملية استکشاف واستغلال المنطقة الدولية بالتوازي بين مصلحة البلدان النامية ومصلحة البلدان الصناعية المتقدمة ، بيد أن البلدان الصناعية بقيادة الولايات المتحدة الأمريکية لم توافق على النظام القانوني الذي ورد فى الجزء الحادي عشر من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982م, وبدأت هذه البلدان فى إصدار تشريعات انفرادية تنظم استکشاف واستغلال المنطقة الدولية.
وبالطبع فقد أدى هذا التنافس بين الدول الغنية والدولة الفقيرة إلى حدوث تعارض فى المصالح ونشوب خلافات بين الدول مما يهدد السلم والأمن الدوليين.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية