الحرب الاستبــــاقية على الإرهاب فى ضوء القــانون الدولى

نوع المستند : أبحاث أصلية

المؤلف

دکتوراه فى القانون الدولي

المستخلص

المقدمــــة
لقد شکل استخدام القوة سمة أساسية للتاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة . فقد لجأ البشر قديماً إلى وسائل عنيفة لحثّ أقرانهم على اتباع سلوک معين أو للحصول على شيء يملکه الآخرون. وحين بدأ العالم في الانتظام في جماعات سياسية، أصبح اللجوء إلى القوة وسيلة متکررة للتفاعل بين هذه الجماعات، وقهر إرادة الجماعات المعادية. ومع نشوء الدولة الحديثة في القرن السابع عشر، زادت النزاعات المسلحة بمختلف أنواعها، ومع التطور المتسارع للتکنولوجيا، زادت الإمکانية التدميرية للحروب بمتوالية هندسية عبر القرون.
 وإذا کان ظهور مفهوم "الحرب الإستباقية" أمراً جديداً على الساحه الدولية، إلا إن البعض يرجعه إلى ما قبل منتصف القرن الماضي، مشيرين إلى الهجوم الياباني على ميناء "بيرل هاربر" الأميرکي عام 1941، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
 ويرى آخرون أن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م کان بمثابة حرب استباقية أو ضربة وقائية لصالح فرنسا وبريطانيا اللتين رأتا في تأميم قناة السويس من جانب مصر زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تهديداً مباشراً لأمنهما ومصالحهما ويستوجب ضربة إستباقية لإعادة الأمور إلى نصابها من دون سابق إنذار لذلک، فيما زعمت إسرائيل أنها ضربة استباقية لمنع مصر من استيعاب صفقة الأسلحة التشيکية التي عقدتها عام 1954 حتى لا تشکل تهديداً ضدها.
إن (الحرب الإستباقية) أو (الوقائية)، کما يحلو للبعض تسميتها، والتي بدأت الکتابات الأکاديمية الغربية والعربية تروج لها کنسق جديد في العلاقات الدولية أو کنظرية ذات مواصفات معينة ولها رواد ومفکرون، اتخذت اليوم صفة "مبدأ بوش" أو "سياسة المحافظين الجدد" في العلاقات الدولية.
ويعرف أهل السياسة الحرب "الإستباقية أو الوقائية" بأنها: "التحول من الرد على هجوم فعلي إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، خاصة إذا تمکنت أجهزة الدولة من اکتشاف نوايا مبکرة بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن مظاهر هذه النوايا"، بمعنى أن الاعتماد في الضربات الإستباقية أو الوقائية يکون على نوايا الطرف الآخر أو لمجرد کونه عدواً محتملاً أو قائماً للدولة الأولى التي بادرت إلى هذه الضربة، وسواء قام الخصم بإظهار هذه النوايا من خلال تحرک عسکري أو تصعيد سياسي أو لم يظهر.
وإن کان يتفق دارسو العلوم العسکرية والمختصون في التخطيط الاستراتيجي للعمليات الحربية مع المفهوم السابق على أنه يخص الحرب الوقائية، إلا أنهم يميزون بين هذا المفهوم السياسي والعسکري في آن واحد وبين الحرب الاستباقية، إذ يعتبرون الحرب الإستباقية مفهوماً عسکرياً – استراتيجياً وليس سياسياً ويخضع لقيادة الجيش وآليات إدارتها للحرب بعد نشوبها أو قبل نشوبها بفترة قصيرة، وملخص وجهة نظرهم أن الحرب الوقائية توجه مبکراً عند اکتشاف نوايا بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن نشر وسائل هجومه أم لا، أما الحرب الاستباقية فإنها توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلاً في أوضاع هجومية مختلفة استعداداً لهجوم حقيقي، ويبدو أن الفرق عملياً يترکز في التخطيط لإدارة الحرب بعد توافر النوايا لخوضها لدى أحد الطرفين، ما يعني أن لا خلاف جوهرياً بين المصطلحين السياسي والعسکري من الناحية النظرية، باعتبار أن عنصر القيام بالفعل متوفر في کلتا الحالتين.
وإذا کان مفهوم الحروب الإستباقية يجد أساسه القانونى فى مفهوم "الدفاع عن النفس الإستباقى" الذى يستخدم أساساً من جانب الدول لتوقى هجمات مسلحة من جيوش دول أخرى، وهو يجد شرعيته من خلال القواعد المطبقة على العمليات الحربية. إلا أن مراکز الأبحاث الغربية - خاصة الأمريکية - عملت على التوسع فى مفهوم الحروب أو الضربات الإستباقية، لکى يستخدم ضد الجماعات المسلحة غير النظامية، ويمتد هذا المفهوم لکى يشمل الجماعات الإرهابية. ويرشح ذلک المفهوم الجديد لبزوغ طفرة جديدة فى النظام القانونى الدولى تعمل على تکوين نظام خاص لمکافحة ما يمکن أن يطلق عليه «الإرهاب الدولى المسلح» الذى يدور بين الدول والکيانات الإرهابية المسلحة، ويخرج الأعمال العدائية بين الدول وتلک الکيانات الإرهابية المسلحة من إطار القانون الوطنى، وکذا من وصف النزاعات المسلحة الدولية، بما يسمح باستهداف تلک الجماعات بشتى الطرق والأساليب العسکرية دون مراعاة لقواعد وأعراف الحروب.
إذن فمفهوم الحرب الإستباقية ضد الإرهاب بدأ تطبيقه على أرض الواقع فى أجلى صوره بلا هوادة، ومن الواضح أننا بصدد موجة عاتية من الضربات الإستباقية قد تطال الأخضر واليابس على أراضى الدول العربية، لا يعلم أحد مداها ولا منتهاها، ولا عدد ما سوف تخلفه من ضحايا أو خسائر.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية